الأربعاء، 25 يوليو 2012

مذبحة سميل


خريطة توضح مواقع المجازر:

مذبحة سميل ( بالسريانية: ܦܪܡܬܐ ܕܣܡܠܐ پرمتا د سمّيلِ) كانت مذبحة قامت بها الحكومة العراقية بحق أبناء الأقلية الآشورية في شمال العراق في عمليات تصفية منظمة بعهد حكومة رشيد عالي الكيلاني ازدادت حدتها بين 8-11 آب 1933. يستخدم المصطلح وصف المذبحة في بلدة سميلي بالإضافة إلى حوالي 63 قرية آشورية في لواء الموصل آنذاك (محافظتي دهوك ونينوى حاليا)، والتي أدت إلى موت حوالي 600 شخص بحسب مصادر بريطانية، وأكثر من 3,000 آشوري بحسب مصادر أخرى. كان الشعب الآشوري قد خرج لتوه من إحدى أسوأ مراحل تاريخه عندما أبيد أكثر من نصفهم خلال المجازر التي اقترفت بحقهم من قبل الدولة العثمانية وبعض العشائر الكردية التي تحالفت معها أبان الحرب العالمية الأولى.

كانت لهذا الحدث تأثير كبير على الدولة العراقية الناشئة، حيث صورت هذه المجازر على أنها أول انتصار عسكري للجيش العراقي بعد فشله في إخضاع التمرد الشيعي في الجنوب وثورة البرزنجي في الشمال، ما أدى إلى تنامي الروح الوطنية وزيادة الدعم للجيش العراقي.
تمت صياغة عبارة "Genocide" أي "إبادة الشعب" لوصف عمليات الإبادة المنظمة التي تهدف لإبادة شعب ما من قبل رافايل لمكين بعد دراسته لهذه المجازر في إحدى أطروحاته.


  • المسألة الآشورية واستقلال العراق

البطريرك إيشاي شمعون الثالث والعشرون
بنهاية الحرب العالمية الثانية أضحى من نجا من آشوريي حكاري وأورميا لاجئين في مخيمات خاصة أقيمت لهم في بعقوبة والحبانية. وقد قام البريطانيون بتجنيد الذكور من الآشوريين على أساس تدريبهم من أجل تكوين لواء عسكري قادر على حمايتهم لدى عودهم إلى قراهم. وبالفعل عاد معظم آشوريي حكاري إلى قراهم غير أن قيام ثورة العشرين ضعت البريطانيين إلى أستعمال هذا اللواء من أجل إخضاع التمرد، فأصبح من تبقى منهم بدون أي قوة دفاعية فعادوا ونزحوا إلى العراق مجددا لدى عودة الجيش التركي للمنطقة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك سنة 1920.
بالرغم من كون العراق مملكة مستقلة منذ سنة 1921 إلى أنه ظل تحت الانتداب البريطاني فترة طويلة من الزمن وفي بداية الثلاثينات ظهر شعور وطني يلقي باللائمة على الآشوريين في شمال العراق كون البريطانيين طالبوا من الحكومة العراقية ضمانات بالأقليات الأخرى في حالة حصولها على السيادة. وقد ازدادت هذه العدائية بعد أن قررت عصبة الأمم أحقية العراق بولاية الموصل بدلا من تركيا، فقامت الأخيرة بسد الباب أمام احتمالية عودة بقايا الآشوريين الذين هجروا من قراهم في حكاري خلال الحرب العالمية الأولى. كما انتشرت أخبار في الصحافة العراقية تتهم المسيحيين بالوقوف وراء تأخر استقلال العراق، فيذكر القنصل الأمريكي في العراق بول كينابنشو أن العدائية للاشوريين أصبحت "محمومة" في ربيع 1933 بتحريض من الصحافة المحلية..كما انعدمت الثقة بين اللواء الآشوري والجيش العراقي بسبب اعتماد الأول على جنود خدموا إلى جانب العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى. ولم يكن للآشوريين ثقة بقدرة الحكومة العراقية على حفظ الأمن، واعتقدوا أن غياب بريطانيا سيمنح الفرصة لجيرانهم الأكراد لتنفيذ مذابح كما حدث خلال المجازر الآشورية.
مع استقلال العراق، قرر بطريرك كنيسة المشرق مار شمعون الثالث والعشرون المُطالبة بحكم ذاتي للآشوريين في شمال العراق وسعى لحشد الدعم البريطاني من أجل ذلك. كما عرض البطريرك هذه القضية إلى عصبة الأمم عام 1932. وقرر أتباعه تقديم استقالتهم الجماعية من اللواء الآشوري (الذي كان تحت السيطرة البريطانية ويخدم المصالح البريطانية)، والتحول إلى ميليشيا والتمركز في منطقة العمادية بشمال العراق. وفي 16 حزيران 1933 التقى البطريرك مع قادة الآشوريين في العمادية ورفع المجتمعون وثيقة إلى الحكومة العراقية تحثها على إنشاء منطقة حكم ذاتي لهم أما في مناطق حكاري الواقعة تحت السيادة التركية حينئذ أو في المناطق الجنوبية المتاخمة لها في زاخو والعمادية ودهوك. غير أن الحكومة العراقية، سرعان ما رفضت هذه المطالب خشية تلقي دعوات مماثلة من قبل مجموعات عرقية ودينية أخرى كالأكراد والعرب الشيعة. وبعد أن رفض البطريرك مجددا استلام الجنسية العراقية وسعى إلى الأستمرار برفع هذه القضية في عصبة الأمم تم استدعاه إلى بغداد حيث أعتقل ووضع تحت الإقامة الجبرية في حزيران 1933، ومن ثم نفي إلى قبرص في اواخر آب.
يرى الأكاديمي العراقي كنعان مكية أن الاستخدام المفرط للعنف ضد الآشوريين خلال صيف 1933 يعود إلى إحساس الضباط العراقيين بالدونية وتخوفهم من تكرار سيناريو عصيان محمود البرزنجي سنة 1930 عندما فشل الجيش العراقي في قمع الثورة الكردية بأول اختبار عسكري له منذ تأسيسه، ما دعى البريطانيين للاستعانة باللواء الآشوري الذي عرف بشدته ومعرفته القتال في تلك المناطق الجبلية، فأسر الزعيم الكردي ونفي إلى جنوب العراق.
  • المجازر

الأشتباك في ديربون

بعد عدة محاولات من الحكومة العراقية بإقناع آشوريي المناطق الممتدة من شيخان إلى زاخو بقبول الجنسية العراقية قرر "مالك ياقو" أحد زعماء الآشوريين اصطحاب عدد من الرجال إلى سوريا في 21 تموز أملا في إقناع الحكومة الفرنسية بإقامة حكم شبه ذاتي لهم في الأراضي الخاضعة تحت سيطرتها شرقي سوريا. غير أن الفرنسيين رفضوا السماح لهم بالبقاء في سوريا وقاموا بمصادرة أسلحتهم فقرر هؤلاء العودة مجددا إلى العراق بعد أن اكتشفوا أستحالة تقديم مطالبهم في سوريا فأبلغ الفرنسيين السلطات العراقية أن حوالي 800 آشوري سيعبر الحدود عائدا إلى العراق من معبر ديربون في 4 آب. ولا يعلم بالضبط كيف بدأت الاشتباكات حيث أن كلا الطرفين يتهم الطرف الآخر بالبدء بإطلاق النار. فحدثت اشتباكات عنيفة بين الجيش العراقي المدعوم بأسلحة مدفعية ثقيلة والنازحين الذين كانوا قد استعادوا بنادقهم من الفرنسيين فانسحب الجيش بعد أن تكبد عدة خسائر إلى بلدة ديربون الحدودية. ويبدو أن الآشوريين قد اقتنعوا أن الجيش العراقي هو من بادر بإطلاق النار فهاجموا إحدى ثكناته في ديربون، غير أن الهجوم لم يسفر سوى عن احتلال أحد المخافر الحدودية تم استعادته بعد أن هاجمه الجيش العراقي بطائرات حربية، فعبر هؤلاء الآشورين إلى سوريا مجددا معللين سبب عدم عدم استمرارهم في الهجوم بكون الجيش قد احتمى داخل البلدة ذات الأغلبية المسيحية. أدت الاشتباكات في ديربون إلى مقتل 33 جندي عراقي وعدد أقل بكثير من الآشوريين.
ويرى المراقب العسكري البريطاني في الموصل آنذاك ستافورد أنه لم يكن بنية الآشوريين مهاجمة الجيش العراقي المتمركز بالمنطقة، بينما يرى المؤرخ العراقي خلدون حصري أن الآشوريين قاموا باستفزاز الجنود ما أدى لوقوع تلك الاشتباكات.

بداية المجازر

بكر صدقي قاد الجيش العراقي أثناء الحملة
بالرغم من توقف أطلاق النار بشكل تام في 5 آب إلى أن الصحافة الوطنية قامت بتغطية هذه الأحداث بشكل مبالغ، وانتشرت أخبار عن قيام الآشوريين بثورة مسلحة بدعم من بريطانيا من أجل تفكيك العراق وإعادة تحت السيطرة البريطانية مرة أخرى. ويعتقد أن الحكومة العراقية قامت كذلك بدعم هذه الآراء من أجل تشتيت الأنتباه عن العصيان الشيعي الجاري في منطقة الفرات الأوسط ولتوحيد موقف العراقيين إلى خطر موحد يهدهم.
بالرغم من عبور أغلبية المهاجمين إلى سوريا فقد حاول بعضهم العودة إلى عائلاتهم في العراق فتم القبض عليهم من قبل الجيش وإعدامهم بإطلاق النار عليهم. وبإيعاز من الجنرال بكر صدقي قامت فرق من الجيش العراقي بتمشيط جبال بيخير شمالي الموصل وإعدام كل من يقبض عليه من الآشوريين ابتداءا من 7 آب، وبالرغم من محاولة وزير الدفاع آنذاك جلال بابان السيطرة على القوات العراقية المتواجدة في الشمال إلا أنها كانت قد أصبحت فعليا خارجة عن سلطة الحكومة. كما شهدت مدن زاخو ودهوك عمليات قتل استهدفت الآشوريين بمساعدة من السلطات المحلية، ففي دهوك تم نقل الآشوريين بشاحنات عسكرية إلى خارج المدينة حيث تمت تصفيتهم بإطلاق النار عليهم ومن ثم دهسهم بالشاحنات للتأكد من موتهم.

عمليات السلب

حدثت عمليات سلب ونهب أثناء المجازر استهدفت قرى تخوما الآشورية في الوقت ذاته من قبل عشائر غلي وسندي وسليفاني الكردية بتحريض من قائمقام زاخو، فهربت النسوة والأطفال إلى مدينتي سميل ودهوك. كما تم نهب القرى الواقعة في أعالي الجبال من قبل أتباع الشيخ نوري البريفكاني، بالرغم وعود الأخير بعدم المساس بهم. وشارك كذلك بعض اليزيديون في أعمال النهب وخصوصا في قرى شيخان. كما تم نهب قرى أخرى في قوذا والعمادية. وقامت الحكومة بتحريض عشائر جبور وشمر في الموصل فشارك هؤلاء كذلك في نهب القرى الآشورية. وقد حثهم في ذلك الجفاف الذي أدى لنفوق أعداد كبيرة من ماشيتهم في أوائل الثلاثينات، فقاموا بالإغارة على القرى الواقعة على سفوح الجبال شمال شرق سميل ونهبها.
وقد اختلفت مستويات النهب من سلب محتويات البيوت والماشية في بعض القرى إلى حرق قرى بأكملها في مناطق أخرى. وبشكل عام لم تتم أي عمليات قتل أثناء النهب بل عادة ما سمح للاطفال والنساء بالحرب إلى قرى أخرى بينما سلم الرجال للجيش حيث كان يتم إعدامهم. وقد نهب خلال شهر آب أكثر من ستون قرية، معظمها استوطنت من قبل الأكراد لاحقا بعد أن أفرغت من ساكنيها.

مجزرة سميل

بلدة ألقوش التي التجأ فيها الآلاف من الآشوريين
حدثت أسوأ المجازر في بلدة سميل التي تبعد حوالي 12كم عن دهوك. ففي 8 آب دخلت قوة عسكرية بقيادة قائمقام زاخو إلى البلدة وطلبت من الأهالي تسليم أسلحتهم، كما أعلمهم بأن يحتموا بمخفر الشرطة وأنهم سيكونون بأمان ما دام العلم العراقي يرفرف فوقه. وفي الأيام التالية شهدت البلدة وصول الآلاف من الآشوريين الذين نزحوا إليها بعد استهداف قراهم. كما قامت عشائر عربية وكردية بالاستيلاء على القمح والشعير بالبلدة وقطع المياه عنها. وفي ليلة 11 آب قام سكان البلدة من العرب بسلب بيوت جيرانهم من الآشورين بحماية الشرطة المحلية.
في 11 آب طلب من الذين قدموا للاحتماء بمخفر الشرطة العودة إلى قراهم التي سلبت، وعندما رفضوا أمرهم القائمقام بمغادرة المخفر. عندها دخل الضابط في الجيش العراقي إسماعيل عباوي برفقة فرقة مدرعة البلدة. وامر بأن يتم فصل النساء والأطفال، قبل أن تبدأ المجزرة في البلدة. ويسرد العقيد البريطاني ستافورد الذي كان ملحقا عسكريا في الجيش العراقي في الموصل ما حدث بعدها:
«استمرت المجزرة فترة من الوقت، فلم يكن هناك داع للاستعجال، فاليوم بطوله أمامهم، كما كان ضحاياهم في وضع عاجز ولم تكن هناك أي فرصة لتدخل طرف ثالث في الأمر. تم نصب الرشاشات المدفعية في شبابيك الغرف التي احتمى بها الرجال، وبعد جمع أكبر عدد ممكن منهم في غرفة واحدة تم إطلاق النار حتى لم يبق أحد واقفا. في حالات أخرى ظهر التعطش الدموي للجنود بشكل فعال، فقاموا بسحل الرجال وإطلاق النار عليهم وضربهم حتى الموت، ومن ثم ألقي بهم في كومة الجثث المتزايدة.»
بعد المجزرة في سميل وجه بكر صدقي تهديدا إلى بلدة ألقوش التي التجأ إليها الآف النازحين بأنها ستلقى مصير سميل ما لم يتم تسليم النازحين. غير أن تدخل بطريرك الكنيسة الكلدانية عمانوئيل الثالث توما في بغداد أدى إلى العدل عن هذا القرار وانسحاب الجيش من محيط البلدة.
  • النتائج

عربة تجرها الثيران تقل لاجئين آشوريين
بعد انتهاء حملة سميل عادت فرق الجيش التي شاركت في المجازر إلى الموصل حيث تم استقبالها استقبال الأبطال، فتم نصب أقواس نصر في الشوارع زينت بأعلام وشعارات تهيب بالجيش كما تعالت هتافات تشيد بالعراق وأتاتورك (كون الموصل لا زالت واقعة تحت تأثير تركيا) وحضر ولي العهد غازي شخصيا وقام بتقليد كبار الضباط وقادة العشائر المشاركة بعمليات النهب أنواط شجاعة. كما تكرر الأمر في بغداد حيث تم استقبال الفرق العسكرية لدى عودتها بحفاوة وقام الجيش باستعراض عسكري في شوارع المدينة وتمت ترقية بكر صدقي الذي قاد لاحقا أول انقلاب عسكري في تاريخ العراق عام 1936.
بالرغم من مقتل الآلاف خلال المجازر إلى أن اثرها الأعمق كان نفسيا. ويروي العقيد البريطاني رونالد ستافورد لدى زيارته لألقوش في 17 آب دهشته لرؤية الآشوريين مكسوري الروح وهم أهل الجبال المعروفين بالصلابة. كما اقتنع الآلاف منهم باستحالة العيش في العراق بعد تدمير قراهم فنزحوا إلى سوريا حيث لم تمانع السلطات الفرنسية توطينهم بها فاستوطن عدة عشرات آلاف ضفاف نهر الخابور في محافظة الحسكة ملتحقين بذلك باقرانهم من السريان الغربيين الذين استوطنوا هناك عقب مذابح سيفو، وأسسوا في تلك الأنحاء أكثر من 30 قرية أهمها تل تمر.
كانت لهذه المجازر نتائج هامة في المملكة العراقية الناشئة، فلأول مرة اتحد العراقيون بمختلف دياناتهم وقبائلهم من عرب وأكراد ويزيديين من أجل مواجهة ما صور على أنه خطر يهدد كيان الدولة. وحاز الجيش العراقي على دعم غير مسبوق كمخلص وحامي لوحدة البلاد، فدعى أربعون من كبار قادة العشائر الكردية إلى حملة تجنيد إجباري في الجيش العراقي. وبالفعل سن هذا القرار من قبل حكومة رشيد عالي الكيلاني غير أنها سقطت قبل تنفيذه فلم يطبق إلا في عهد حكومة جميل المدفعي في كانون الثاني 1934. كما حاول البريطانيون النأي بنفسهم عن الآشوريين بأن دعموا الموقف الرسمي العراقي حيث صرح المبعوث العسكري البريطاني في بغداد آنذاك أنه يفترض على الشعب والحكومة العراقية أن يكون ممتنا لما قام به بكر صدقي.
  • تذكار المجازر

شعار "شوّا بطَبَّخ
تركت مجزرة سميل جرحًا عميقًا في نفوس الآشوريين، فرحل معظم المتضررين إلى سوريا خلال الثلاثينات. وفي سنة 1970 أعلن الأتحاد العالمي الآشوري يوم 7 آب يوما للشهيد الآشوري يتم فيه تذكار الذين سقطوا سواء في حملة سميل أو في المذابح الآشورية خلال الحرب العالمية الأولى.
كما قام العديد من الموسيقيين بعمل أغاني تستذكر هذه المجازر. وألفت عدة أعمال فنية تستذكر المجازر لعل أهمها قصيدة "سبعون ألف آشوري" (Seventy Thousand Assyrians) للأديب الأرمني الأمريكي وليام سارويان.
قام المؤرخ البولوني رافايل لامكن لدى دراسته لهذه المجازر بصياغة مصطلح "الإبادة العرقية" (Geno-Cide)، ففي أواخر سنة 1933 قدم لامكن عرضا حول القانون الجنائي أمام عصبة الأمم في مدريد تحدث فيه عن تعريف الإبادة الجماعية كمصطلح قانوني.

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق